-->

المتابعون

صعوبات تعلم اللغة العربية لأبناء العرب المغتربين في بلاد العجم



يواجه أبناء العرب المغتربين في بلاد العجم  صعوبات شديدة في تعلم  اللغة العربية وذلك بسبب اختلاط ألسنتهم بلغات تلك البلاد 

اللغة تكتسب بالسماع ...هذه المقولة صادقة وواقعية ، وتستمد قوتها ومصداقيتها من الواقع .

فالطفل عندما يولد تكون حصيلته اللغوية صفرا ،لأنه لم تتكون لديه أية حصيلة لغوية حتى عمر سنة تقريبا ، ثم يبدأ في اكتساب أولى المفردات لديه (أبي_أمي) بحسب لهجة والديه بعد أن سمعها مئات المرات وحسب تطور نطقه لها تنغيما ، ثم أصواتا ، ثم لفظا واضحا .
يبدأالطفل تدريجيا بتعلم مفردات جديدة حسب الحاجات الملحة والضرورية مثل (ماء ، أكل ، بيت الراحة) حتى تتكون لديه الثروة الغوية التي تمكنه من حكي ما يريد ويعبر عن ذاته واحتياجاته.

وهكذا يبدأ الطفل في تكوين لغته الأم ، عن طريق الاحتكاك المباشر سماعا بدايةً ، ثم سماعا وتحدثاّ ثم في مرحلة تالية تعلم القراءة والكتابة .
الأسباب

هذا الأمر في الحالة الطبيعية عندما ينشأ  الطفل في بيئته الأصلية ويتحدث جميع من حوله بذات اللغة وتحديا العربية .

لكن الأطفال عندما تترعرع في في بيئة أجنبية تتحدث لغة أخرى ، ويشتد عودها بين أفران يتحدثون لغة أخرى غير لغة والديه. 

هنا تبدأ المعاناة ، عندما يرغب الأبوان في تعليم أبنائهم للعربية حرصا على تمسكهم بأصولهم وهوياتهم ، فيجدون صعوبات ومشكلات جمة في ذلك ، بل يجد الأطفال أشد المعاناة عند تعلمهم للعربية .

ذلك أن الطفل يكتسب مفرداته من المحيطين به ، بدءا بوالديه ، ثم الجيران ، والأصدقاء والأقران والزملاء بالمدرسة.
في المرحلة الأولى من حياته ( منذ مولده حتى سن الثالثة ) تقريبًا نسبة 100% من مفرداته ، فيستمع ويتعلم منهم لغته ،ولا يسلم من مفردات اللغة الأجنبية التي يحرص الوالدين على إكسابه مفرداتها أيضا ليسهل عليه الاختلاط بمحيطه الجديد ولا ينعزل بسبب عدم قدرته على التواصل. مع غيره من الأقران ، وغالبا ما تكون النسبة هنا بالتساوي 50% ألفاظ عربية=50% ألفاظ لغة أجنبية.

وتقل هذه النسبة تدريجيا بين سن (3_6 سنوات ) أو كما تعرف بسن ما قبل الدراسة ، حيث يبدأ الطفل بالاحتكاك بالمحيط خارج أسرته مثل جيرانه وأقرانه من المحيط به فيكتسب منهم مفردات جديدة لم يأخذها من والديه ، فتزداد حصيلته اللغوية ولكنها هنا ليست من لغته الأصلية وهي العربية ، ولكنها لغة البلد الأجنبي .

وتقل تدريجيا حصيلته اللغوية من العربية ، وتزداد بالمقابل اللغة الأجنبية ويرجع ذلك إلى كثرة استخدامه للغة الإجنبية وندرة استخدامه للعربية مع آخرين تحدثا وكتابة.

ثم تزداد الفجوة تدريجيا بين الطفل ولغته وهويته عندما يصل لسن الدراسة (6 سنوات) ويلتحق بمدرسته ، فيتصل بزملائه ويمارس معهم لغته الجديدة ، ويرتبط عاطفيا بمحيطه الواقعي فيلعب ويشتري ويمارس مواقفه الحياتية بلغة يبدأ في تعلمها بالممارسة والدراسة ، بينما يبدأ اضمحلال تعلمه للعربية واقتصار ذلك على وقته مع أسرته فقط ومحيطه الخاص.

النتائج

وينفصل  الطفل تدريجيا عن هويته ولغته الأم وتبدأ معاناته في تعلم العربية ، فهي لم تعد بالنسبة له لغة أصلية ، بل صارت لغة أجنبية دخيلة عليه مختلطة لديه بالكثير من المفردات الأجنبية عنها ، وصار لسانه ملجلجا متلعثما عندما يتحدث بها ، يهرب من الحديث بها مع والديه ومحدثيه من العرب . بل صار يشعر بالخجل عندما ينطقها ؛ إما لشعوره بضعفه أو لخجله من ذلك .
يعاني الطفل العربي من التحدث والقراءة والكتابة بالعربية مثله مثل الأجنبي الذي يتعلم العربية ويتأثر لسانه مثله ، ويعجز عن التعبير عن ذاته في مواقف معقدة وبسيطة ، فينعزل عن كل ما يشعره بعجزه ، ويلجأ ويتقرب مما يجنبه هذا الشعور .

وهنا تبدأ آلام أبويه وقلة حيلتهما ، فهما يرغبان في تعليمه لها ، ويحرصان على تعلمه لها ، ففيها وبها يتمسك بأصوله وهويته وبها يدرك قيمه وعقائده ، ومنها يستقي ذاته وروحه .

طرق التغلب على هذه المعضلة

يبحث الأبوان عن طرق لعلاج هذه المعضلة التي لابد لها من حل ، فالحلول قليلة ،
- مدرسة مخصصة لأبناء الجالية العربية وخاصة في الأحياء المكتظة بالعرب اللاجئين والمقيمين.
-مدرسة بها قسم لتعلم العربية أو لتعليم العربية كلغة أجنبية
- البحث عمن يعلم ولدهم سواء في المنزل أو المسجد.
وهذه الوسائل كثيرا ما تؤتي أكلها وتنجح تلك المساعي في كسر الحاجز  وتحافظ بذلك على الحد الأدنى من بقاء اللغة العربية في متناول أيدي الأسرة.

وتعمل الأسرة على تحويل هذا التعلم والتمسك إلى واقع عملي فيحرص الأبوين على التمسك بالحديث باللغة العربية في حرم المنزل بل يأمر الأب أولاده بالامتناع عن التلفظ بأي كلمة غير عربية حرصا منه على زيادة الحصيلة اللغوية للعربية وممارستها واقعا مع والديه وإخوته فيتشجع على التحدث بها وتزداد ثقته بنفسه ويقدر على التعبير عما يرغب فيه فيطلب ويرفض ويغضب ويضحك ويمرح بالعربية.

وهكذا ينعم الطفل ببعض الوقت الذي يتمتع فيه بروحه وذاته وأصله
ويزداد هذا الشعور لديه فينتمي لواقعه العربي ويبدأ في السؤال وجمع المعلومات والاستقصاء عن هذا العالم الذي يشعر به ولا يراه فيلجأ إلى مصادر مفتوحة في هذا العلم المجهول بالنسبة له على الأقل، عندما يتصل بأصوله وأهله في بلده الأم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مثل : الهاتف ، والـفيسبوك وتويتر وإنستقرام .... 

ويزداد نهمه ورغبته بعدما يستمع ويشاهد عبر يوتيوب مقاطع مصورة وصوتية لمواقف أو مشاهد سينمائية مضحكة أو مؤثرة مبكية فيتعاطف ويغضب ويفرح ويندمج مع واقعه ويتصل به ويشعر بالحنين وتضطرم في داخله نيران الشوق إلى موطنه والرغبة في زيارته وملاقاة أحبةٍ تعلقت القلوب بها دون أن تراها .

ساعد على اشتعال هذه المشاعر ارتباط ديني بالمشاعر المقدسة عنده عندما كان يسمعها من خطيب المسجد أو والديه بألفاظ تعود على سماعها مثل : الله عز وجل ، محمد صلى الله عليه وسلم ،الصلاة ،والزكاة ، رمضان ، مكة الكعبة ، البيت الحرام ،المدينة المنورة ، بدر وأحد ، فلسطين ، المسجد الأقصى ،،،

وهكذا تعود الروح للجسد ، وبهذا يلتصق أبناء العرب بأصولهم ويلتحم بأمته ودينه ويصير المواطن العربي الذي يعيش بين الغرب فلا يصير مموها مشوها ممسوخا  ، بل يدرك ماذا يريد ؟ وماذا سيفعل ؟ وما هي أخلاقه ومبادؤه ؟ عربي الأصل والهوى وإن لم يكن قد عاش فيها يوما واحدا ولا تنفس تحت سمائها .
مدير الموقع
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع لسانٌ عربيٌّ .

جديد قسم : قضايا عامة

إرسال تعليق